ديفيد إجناتيوس ـ واشنطن بوست
ترجمة: محمد الزواوي:
هذا الأسبوع أدت فظائع الماضي مرة ثانية إلى إطفاء الآمال للمستقبل، بعدما أظهرت أمرينيا وتركيا أنهما لا يزال عليهما أن يجدا طريقة لحل أعباء التاريخ الذي يتقاسمانه. وقبل الرابع والعشرين من أبريل الجاري، اليوم الذي يتذكر فيه الأرمينيون ما يسمى بمذابح عام 1915، أعلنت أرمينيا أنها تبذل كل الجهود لتطبيع علاقاتها مع تركيا، وقال الرئيس الأرمييني سيرج سركاسيان "إننا نعتبر تلك المرحلة الحالية من التطبيع قد استنفذت". وقد بدا أن فرصة التقدم إلى الأمام كانت مغرية وقريبة للغاية، ففي الأسبوع الماضي عندما التقى زعيما الدولتين في واشنطن في إطار القمة النووية، حاول الرئيس أوباما أن يقوم ببعض الوساطة النافعة وضغط عليهما لتنفيذ الاتفاقية التي وقعا عليها في أكتوبر الماضي، وصرح أوباما قائلاً للرئيس الأرميني: "إذا انسحب أحد الأطراف فإنه بذلك يعفي الطرف الآخر من أية مسئولية ويعطيه حرية التنصل"، وأشار الطرف الأرميني للبيت الأبيض أنه سوف يلتزم ببنود الاتفاقية.
وأجرى الرئيس أوباما المحاولة ذاتها مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوجان، وقال أن تطبيع العلاقات يعد متناغمًا مع سياسة تركيا الخاصة بالأمن الإقليمي. وبعدما سألتُ وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بعد ذلك بشأن مستقبل التطبيع، شعرت بالتفاؤل عندما قال لي: "إننا لا نريد أن نسيس التاريخ، إننا نريد مصالحة مع ذكريات" ما حدث عام 1915، وأن يتم الاعتراف بمعاناة تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى مثلما يحدث مع الأرمن، واستطرد قائلاً أن تركيا تريد "صفر مشكلات" مع جيرانها، "فإننا نريد أن نرى أرمينيا مزدهرة بجوارنا". وجاءت تعليقات أحمد داود أوغلو معقولة للغاية بالنسبة لي، وكان رد فعلي هو: حسنًا، الآن جاء دور الأرمن والترك في أن يتجاوزا ذلك وأن يجعلا التطبيع حقيقة.
وفي 2005 تعرض الكاتب اورهان باموك حائز جائزة نوبل للاداب الى ملاحقات قضائية لانه قال ان "مليون ارمني و300 الف تركي قتلوا على هذه الارض". وبعد ذلك بسنتين اغتيل الصحافي الارمني هرانت دينك في اسطنبول وفتحت مشاركة الاتراك بكثافة من جنازته المجال امام التشكيك في التاريخ الرسمي الذي يتحدث عن "مذابح متبادلة". وكان مفكرون وفنانون دعوا في عريضة "كل الذين يشعرون بذلك الالم الكبير" الى التعبير عن حزنهم. وتفاديا لاثارة الاستياء تحدث موقعو البيان عن "النكبة الكبرى" بدلا من استعمال عبارة "الابادة". واوضح الباحث في الجامعة ان "تركيا تحاول انتهاج سياسة ذاكرة رغم الخطاب الرسمي" الرافض بشكل قاطع عبارة الابادة.
في المقابل لا تعترف تركيا الا بمقتل ما بين 300 الى 500 الف ارمني تقول انهم لم يقتلوا في حملة تصفية بل راحوا ضحية الفوضى التي سادت اخر سنوات الامبراطورية العثمانية. كذلك تقول تركيا ان القوميين الارمن الذين انضموا الى العدو الروسي خلال الحرب العالمية الاولى قبل قرار الحكومة العثمانية ترحيل الارمن الى سوريا، قتلوا عشرات الاف الاتراك.
ولكن ماذا حدث؟
ما حدث هو أن الرئيس الأرمني في النهاية قرر أنه قد انتظر طويلاً، وتحمل مخاطر سياسية في مجرد طرح فكرة التطبيع، وعندما أذعن لمطالب تركيا لعقد لجنة دولية للتحقيق في تلك الأحداث الدامية لعام 1915، فإن ذلك أدى إلى إغضاب العديد من الأرمن في الشتات، وقالوا أن الحكومة الحالية ليس لها حق أن تجري مقايضة للأحداث التاريخية في مقابل رغبتها بالتجارة الحرة والطبيعية والعلاقات الدبلوماسية مع تركيا، وعندما لم يؤد إذعان الرئيس الأرمني إلى أي نتيجة مع تركيا، ازدادت الضغوط عليه.
واعلن الرئيس الارمني سيرج سركيسيان الخميس الماضي ان بلاده جمدت المصادقة على اتفاقين تاريخيين يهدفان الى تطبيع العلاقات مع انقرة التي اتهمها بوضع شروط غير مقبولة.
وربما توقع الأتراك أن يحصلوا على الموافقة من الأرمن بعد اقتراحهم الوجيه بعقد لجنة للتحقيق فيما حدث، ولكن الأتراك شعروا بالصدمة بعدما صدر قرار من الكونجرس يدعو إلى الاعتراف بما حدث على أنه مذبحة، وقاموا بسحب سفيرهم من واشنطن لفترة مؤقتة ودخلت عملية التطبيع مع أرمينيا في حالة من السبات. ومنذ ذلك الحين تم تلطيف الأجواء قليلاً، إلا أن تركيا رفضت أن تتحرك في اتجاه التطبيع حتى يتم تسوية النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول وضعية ناجورنو كاراباخ، وهي تلك المنطقة المتنازع عليها في جنوب القوقاز، وقد شعر الرئيس الأرمني بالضغوط من كافة الاتجاهات، وفي النهاية تراجع وأوقف كل شيء.
وفي صراع شد الأحبال ذلك بين الماضي والمستقبل، فإن أدعو إلى النظر إلى المستقبل، وأقول أنني فخور بأنني أمريكي من أصل أرميني وفقدت أعضاء من أسرتي الشخصية فيما حدث عام 1915، وأعتقد أن الولايات المتحدة والعالم يجب أن تصف تلك الأحداث باسمها الحقيقي، وهي مذبحة، ولكن التاريخ ليس ثقلاً يجب على الأحياء أن يظلوا يسحبونه وراءهم إلى الأبد، فأحداث عام 1915 تدعونا إلى الرثاء والحزن، ولكن أيضًا تدعونا إلى أن نحيا بصورة طبيعية