الأربعاء، يونيو 30، 2010

زمن الماضي الجميل



لقد كان زمننا أفضل بكثير من زمنكم هذا ..! أنتم ..! نعم أنتم أيها الحاضرون في هذا الزمن لا تعلمون شيئا ولا تعملون وليس هناك شيء يستحق المتعة والاِثارة في زمنكم ...! آآآه ليت الزمان يعود يوما ..!








 







هكذا كانت الكلمات التي أسمعها مرار وتكرار لكثير من كبار السن في البيئة المحيطة بي ، دائما ما يتحدثون عن قيم ذلك الزمن الغابر وعن أخلاقيات الذين عاشوا في تلك الفترة ..! اِنهم يتحدثون عن المبادىء والكرم يتحدثون عن العفة وصدق النية ، باختصار كان يتحدثون عن مكارم الأخلاق .

 

قليل من الدين وكثير من احترام العادات والتقاليد ، شيء يسر من العلم ولكن الكثير من الفطنة والفراسة ، كثير من الشغل والأعمال ولكن بطعم السعادة والفرح وهي الأنس والمتعة لهم . لا ينفك والدي عن ذكر مدى السعادة التي كان يعيشها بالرغم من كثير من التعب والاِرهاق بين جنبات تلك السعادة ..!
 
معطيات الحاضر وجماليات الماضي تغير النظرة الحالية

 

اندثار بعض العادات التي كان يمارسها واختفاء الكثير من المبادىء وفقد الأحباء وابتعاد الأصدقاء يمتخض عنه شعور بالوحدة وانطوائية تجعل من الصعب تقبل بعض الحقائق مما يجعله يتهكم من الحاضر بمن فيه وما فيه والترحم على الماضي لمن كان فيه وماكان فيه .؟

 

هل هي ديدنة البشر أن يشتاقوا الى الماضي ..!

 

اذا كان كبار السن يشتاقون الى الماضي لما تحمله من ذكريات جميلة وربما أيضا بسبب أن الكثيرين ممن صنعوا السعادة معهم جنبا الى جنب طوال تلك السنين قد أصبحت القبور بيوتا لهم ..!واذا لم يكن لديهم من يشاركوهم ذكرياتهم سوى الأبناء والأحفاد. فما هو عذرنا نحن ..! ونحن نشتاق الى أوقات ماضية كـ الطفولة مثلا ..! هل ذلك أن يعني أنه قد تقدم بنا العمر ..! مع أني أرفض هذه الفكرة واِن كانت واقعية ولكن الحنين الى الطفولة لا يعني سوى شيء واحد ..! لقد كبرت يا صديقي ...

 

الحنين الى الماضي ينم عن اِما عن هروب من الحاضر أو لجمال ذكريات الماضي مع مرير عيش الحاضر ..!

 

في هذه السن تراودني الأفكار بين الحين والأخر عن أيام الطفولة وشيء من المراهقة وحينها فقط أتذكر ماكان يردده أبي ( زمن الماضي الجميل ) وأعلم وقت اِذ أن العمر قد تقدم بي وأني كـ حال أبي وكثيرمن كبار السن أشتاق الى شيء ما في وقت ما لسبب ما ..!
.
.
.


الثلاثاء، يونيو 29، 2010

جمال النساء وذهاب عقول الرجال



ذكر أنّ معاوية بن أبي سفيان جلس ذات يومٍ بمجلسٍ كان له بدمشق على قارعة الطّريق وكان المجلس مفتّح الجوانب لدخول النّسيم، فبينما هو على فراشه وأهل مملكته بين يديه إذ نظر إلى رجلٍ يمشي نحوه وهو يسرع في مشيته راجلاً حافياً، وكان ذلك اليوم شديد الحرّ فتأمّله معاوية ثمّ قال لجلسائه: لم يخلق الله ممّن أحتاج إلى نفسه في مثل هذا اليوم
ثمّ قال: يا غلام سر إليه واكشف عن حاله وقصّته فوالله لئن كان فقيراً لأغنينّه، ولئن كان شاكياً لأنصفنّه، ولئن كان مظلوماً لأنصرنّه، ولئن كان غنياً لأفقرنّه
فخرج إليه الرسول متلقياً فسلّم عليه فردّ عليه السّلام، ثمّ قال له: ممّن الرّجل ؟
قال: سيّدي أنا رجلٌ أعرابيٌّ من بني عذرة، أقبلت إلى أمير المؤمنين مشتكياً إليه بظلامةٍ نزلت بي من بعض عمّاله
فقال له الرّسول: أصبحت يا أعرابي ؟ ثمّ سار به حتّى وقف بين يديه فسلّم عليه بالخلافة ثمّ أنشد يقول :






فلمّا فرغ من شعره قال له معاوية: يا إعرابي إنّي أراك تشتكي عاملاً من عمّالنا ولم تسمعه لنا
قال: أصلح الله أمير المؤمنين، وهو والله ابن عمّك مروان بن الحكم عامل المدينة
قال معاوية: وما قصّتك معه يا أعرابي
قال: أصلح الله الأمير، كانت لي بنت عمٍّ خطبتها إلى أبيها فزوّجني منها، وكنت كلفاً بها لما كانت فيه من كمال جمالها وعقلها والقرابة، فبقيت معها يا أمير المؤمنين، في أصلح حالٍ وأنعم بالٍ، مسروراً زماناً، قرير العين، وكانت لي صرمةً من إبلٍ وشويهات، فكنت أعولها ونفسي بها، فدارت عليها أقضية الله وحوادث الدّهر، فوقع فيها داءٌ فذهبت بقدرة الله، فبقيت لا أملك شيئاً، وصرت مهيناً مفكّراً، قد ذهب عقلي، وساءت حالي، وصرت ثقلاً على وجه الأرض، فلمّا بلغ ذلك أباها حال بيني وبينها، وأنكرني، وجحدني، وطردني، ودفعها عنّي، فلم أدر لنفسي بحيلةٍ ولا نصرةٍ
فأتيت إلى عاملك مروان بن الحكم مشتكياً بعمّي، فبعث إلى عمي، فلمّا وقف بين يديه
قال له مروان: يا أيّها الرّجل لم حلت بين ابن أخيك وزوجته ؟
قال: أصلح الله الأمير، ليس له عندي زوجة ولا زوّجته من ابنتي قط
قلت أنا: أصلح الله الأمير، أنا راضٍ بالجّارية، فإن رأى الأمير أن يبعث إليها ويسمع منها ما تقول ؟
فبعث إليها فأتت الجّارية مسرعةً، فلمّا وقفت بين يديه ونظر إليها وإلى حسنها وقعت منه موقع الإعجاب والاستحسان، فصار لي يا أمير المؤمنين خصماً وانتهرني، وأمر بي إلى السّجن، فبقيت كأني خررت من السّماء في مكانٍ سحيق
ثمّ قال لأبيها: هل لك أن تزوّجها منّي، وأنقدك ألف دينارٍ، وأزيدك أنت عشرة آلاف درهمٍ تنتفع بها، وأنا أضمن طلاقها؟
قال له أبوها: إن أنت فعلت ذلك زوّجتها منك، فلمّا كان من الغد بعث إليّ، فلمّا أدخلت عليه نظر إليّ كالأسد الغضبان
فقال لي: يا أعرابي طلّق سعدى، قلت: لا أفعل، فأمر بضربي ثم ردّني إلى السّجن
فلمّا كان في اليوم الثّاني قال: عليّ بالأعرابي، فلمّا وقفت بين يديه
قال: طلّق سعدى، فقلت: لا أفعل، فسلّط عليّ يا أمير المؤمنين خدّامه فضربوني ضرباً لا يقدر أحدٌ على وصفه، ثمّ أمر بي إلى السّجن
فلمّا كان في اليوم الثّالث قال: عليّ بالإعرابي، فلمّا وقفت بين يديه قال: عليّ بالسّيف والنّطع وأحضر السيّاف
ثمّ قال: يا أعرابي، وجلالة ربّي، وكرامة والدي، لئن لم تطلّق سعدى لأفرّقنّ بين جسدك وموضع لسانك، فخشيت على نفسي القتل فطلّقتها طلقةً واحدةً على طلاق السّنّة، ثمّ أمر بي إلى السّجن فحبسني فيه حتّى تمّت عدّتها ثمّ تزوّجها، فبنى بها، ثمّ أطلقني فأتيتك مستغيثاً قد رجوت عدلك وإنصافك، فارحمني يا أمير المؤمنين، فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجهدني الأرق، وأذابني القلق، وبقيت في حبّها بلا عقلٍ، ثمّ انتحب حتىّ كادت نفسه تفيض
ثمّ أنشد يقول:






ثمّ خرّ مغشيّاً عليه بين يدي أمير المؤمنين كأنّه قد صعق به، وكان في ذلك الوقت معاوية متكّئاً، فلمّا نظر إليه قد خرّ بين يديه قام ثمّ جلس
وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، اعتدى والله مروان بن الحكم ضراراً في حدود الدّين، وإحساراً في حرم المسلمين
ثمّ قال: والله يا أعرابي لقد أتيتني بحديثٍ ما سمعت بمثله
ثمّ قال: يا غلام عليّ بداوةٍ وقرطاسٍ فكتب إلى مروان: أمّا بعد، فإنّه بلغني عنك أنّك اعتديت على رعيّتك في بعض حدود الدّين، وانتهكت حرمةً لرجلٍ من المسلمين، وإنّما ينبغي لمن كان والياً على كورةٍ أو إقليمٍ أن يغضّ بصره وشهواته، ويزجر نفسه عن لذّاته، وإنّما الوالي كالرّاعي لغنمةٍ، فإذا رفق به بقيت معه، وإذا كان لها ذئباً فمن يحوطها بعده
ثمّ كتب هذه الأبيات








ثمّ ختم الكتاب، وقال: عليّ بنصر بن ذبيان والكميت صاحبيّ البريد، فلمّا وقفا بين يده
قال: اخرجا بهذا الكتاب إلى مروان بن الحكم ولا تضعاه إلاّّ بيده، قال فخرجا بالكتاب حتّى وردا به عليه، فسلّما ثمّ ناولاه الكتاب، فجعل مروان يقرأه ويردّده، ثمّ قام ودخل على سعدى وهو باكٍ
فلمّا نظرت إليه قالت له: سيّدي ما الذي يبكيك ؟ قال كتاب أمير المؤمنين، ورد عليّ في أمرك يأمرني فيه أن أطلّقك وأجهّزك وأبعث بك إليه، وكنت أودّ أن يتركني معك حولين ثمّ يقتلني، فكان ذلك أحبّ إليّ، فطلّقها وجهّزها
ثمّ كتب إلى معاوية هذه الأبيات






ثمّ دفعه إليهما، ودفع الجّارية على الصّفة التي حدّث له، فلمّا وردا على معاوية فكّ كتابه وقرأ أبياته ثمّ قال: والله لقد أحسن في هذه الأبيات، ولقد أساء إلى نفسه، ثمّ أمر بالجّارية فأدخلت إليه، فإذا بجاريةٍ رعبوبةٍ لا تبقي لناظرها عقلاً من حسنها وكمالها
فعجب معاوية من حسنها ثمّ تحوّل إلى جلسائه وقال: والله إنّ هذه الجّارية لكاملة الخلق فلئن كملت لها النّعمة مع حسن الصّفة، لقد كملت النّعمة لمالكها، فاستنطقها، فإذا هي أفصح نساء العرب
ثمّ قال: عليّ بالأعرابي، فلمّا وقف بين يديه
قال له معاوية: هل لك عنها من سلوٍ، وأعوّضك عنها ثلاث جوارٍ أبكارٍ مع كلّ جاريةٍ منهنٍ ألف درهمٍ، على كلّ واحدةٍ منهنّ عشر خلعٍ من الخزّ والدّيباج والحرير والكتّان، وأجري عليك وعليهنّ ما يجري على المسلمين، وأجعل لك ولهنّ حظاً من الصّلات والنّفقات ؟
فلما أتمّ معاوية كلامه غشي على الأعرابيّ وشهق شهقةً ظنّ معاوية أنّه قد مات منها
فلّما أفاق قال له معاوية: ما بالك يا أعرابي؟ قال: شرّ بالٍ، وأسوأ حالٍ، أعوذ بعدلك يا أمير المؤمنين من جور مروان
ثمّ أنشد يقول:








ثمّ قال: والله يا أمير المؤمنين لو أعطيتني كلّ ما احتوته الخلافة ما رضيت به دون سعدى
فقال له معاوية: يا أعرابي ؟
قال : نعم يا أمير المؤمنين، قال : إنك مقرٌّ عندنا أنّك قد طلّقتها، وقد بانت منك ومن مروان، ولكن نخيّرها بيننا
قال الأعرابي: ذاك إليك يا أمير المؤمنين، فتحوّل معاوية نحوها ثمّ قال لها: يا سعدى أيّنا أحبّ إليك: أمير المؤمنين في عزّه وشرفه وقصوره، أو مروان في غصبه واعتدائه، أو هذا الأعرابي في جوعه وأطماره؟ فأشارت الجّارية نحو ابن عمّها الأعرابي ثمّ أنشدت تقول :








ثمّ قالت : لست، والله، يا أمير المؤمنين لحدثان الزمان بخاذلته، ولقد كانت لي معه صحبة جميلة، وأنا أحقّ من صبر معه على السّرّاء والضّرّاء، وعلى الشّدّة والرّخاء، وعلى العافية والبلاء، وعلى القسم الذي كتب الله لي معه
فعجب معاوية ومن معه من جلسائه من عقلها وكمالها ومروءتها وأمر لها بعشرة آلاف درهمٍ وألحقها في صدقات بيت المسلمين